ملخص القانون الدولي الخاص PDF | تلخيص تنازع القوانين

PDF ملخص القانون الدولي الخاص : تنازع القوانين

ملخص القانون الدولي الخاص PDF | تنازع القوانين
ملخص القانون الدولي الخاص PDF

تتعدد نشاطات الإنسان ولاسيما في علاقاته مع غيره ويتدخل المشرع لتنظيم جانب من هذه العلاقات ذات الطبيعة القانونية، كما يكون القضاء هو الجهة المختصة للفصل في النزاعات الناشئة عن هذه العلاقات، فإذا كانت العلاقة القانونية في عناصرها الثلاثة : الأشخاص، المحل والمصدر، وطنية بحتة أي تنتمي إلى الدولة التي يتبع لها القاضي، فإنها تخرج عن نطاق تنازع القوانين، بل وعن قانون العلاقات الخاصة الدولية او ما يطلق عليه القانون الدولي الخاص.
أما إذا اتسم أحد عناصر العلاقة القانونية بالصفة الأجنبية، كان ينتمي أحد أطرافها إلى دولة أجنبية، فإننا هنا نكون أمام تدخل أكثر من قانون لحكم العلاقة القانونية، تبعا لانتماء عناصر العلاقة لأكثر من دولة، ويطلق على هذا الوضع بتنازع القوانين.


لمن يريد التحميل ما عليه الا الضغط على رابط التحميل في اعلى هذه الجملة ولمن يود القراءة دون تحميل فالملخص بالكامل امام حضراتكم.

وتبعا لذلك يثور التساؤل، عن أنسب القوانين التي يتعين على القاضي تطبيقها على تلك العلاقة، ذلك أن احتواءها لعنصر أجنبي يعني اتصالها بأكثر من قانون واحد؟
إن حل مشكلة " تنازع القوانين " يتم عادة بواسطة إعمال قواعد تنازع القوانين أو " قواعد الإسناد ، التي ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على المراكز القانونية ذات العنصر الأجنبية، وهي قواعد يضعها المشرع الوطني لاختيار أكثر القوانين المتزاحمة ملاءمة لحكم العلاقة الخاصة المتضمنة عنصرا أجنبيا.

وبعبارة أخرى، إن قواعد الإسناد، لا تطبق إلا على علاقات القانون الخاص، مثل الروابط التعاقدية، ومسائل الزواج والطلاق والميراث والوصايا...إلخ، أي العلاقات التي لا تكون الدولة موضوعا لها او طرفا فيها بوصفها صاحبة السيادة.
وهكذا، فوظيفة قواعد الإسناد هي حل المشاكل المترتبة على اختلاف التشريعات الوطنية السائدة وتباينها.
كما أن تعيين قاعدة الإسناد يقتضي تحديد الوصف القانوني الموضوع النزاع، أي تكييف العلاقات القانونية بردها إلى إحدى الفئات القانونية التي خصص لها المشرع قاعدة إسناد، ومثال العلاقات القانونية : الزواج، الطلاق، العقد، الفعل الضار، الوصية، الأهلية...
وبعد تخطي القاضي لهذه المرحلة وتحديده لقاعدة الإسناد، التي أشارت بتطبيق قانون أجنبي معين، فإن التساؤل يثور حول المقصود بهذا القانون، هل يتعين على القاضي أن يرجع إلى القانون الأجنبي في جملته، بما يترتب على ذلك من ضرورة استشارة قواعد الإسناد في هذا القانون لمعرفة ما إذا كانت تمنح الاختصاص إلى قانونها أم تقضي بالإحالة إلى قانون آخر؟ أم أن على القاضي أن يرفض الإحالة ويتجه مباشرة إلى القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي ويطبقها على موضوع النزاع دون الاعتداد بقواعد القانون الأجنبي.


وبعد الانتهاء من هذه العملية التي تندرج ضمن آليات تنازع القوانين، فإن القاضي ينتقل إلى مرحلة حل التنازع الناشئ بين القوانين عن طريق تطبيق قاعدة الإسناد التي يقصد بها القاعدة الوطنية التي تعين القانون الذي يجب تطبيقه على العلاقة القانونية موضوع النزاع (فصل اول).
هذا وقد يتعذر على القاضي تطبيق القانون الأجنبي الذي تعينه هذه القاعدة، بحيث يلجأ إلى استبعاد هذا القانون، وذلك لأسباب متعددة كاستحالة تطبيقه أو مخالفته للنظام العام لدولته،
 او لوجود تحايل على القانون الواجب التطبيق (فصل ثاني).




الفصل الأول :

تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص

إن الاختلاف بين قوانين الدول وأنظمتها يثير ولاشك نزاعا فيما بينها كلما اتصلت علاقة قانونية أو مركز قانوني بدولة أجنبية أو أكثر، وهذا التنازع كما الاصطلاح على هذه التسمية هو نتيجة طبيعية لما يعرفه العالم من تعامل قانونی الأفراد على نطاق يجاوز الحدود الإقليمية منذ زمن بعيد، وقد أصبح في الوقت الحالي أكثر تعقيدا لتشابك العلاقات الدولية واتصالها بفعل التطور الحضاري الهائل.
هذا، ومن الخطأ الاعتقاد بأن تنازع القوانين لا يقع إلا في الحالة التي تطرح فيها العلاقة القانونية موضوع النزاع أمام المحكمة للبت فيها عن طريق تطبيق القانون الملائم عليها، بل إن التنازع يكون قائما منذ اللحظة التي تنشأ فيها العلاقة القانونية، لان نشوءها وتكوينها يقتضي أولا تحديد القانون المنظم لها من حيث الشكل والموضوع، وتحديد هذا القانون يثير منذ البداية إشكالية تزاحم وتنافس قوانین عدة دول لحكم هذه العلاقة.
ويتم حل التنازع بترجيح أحد القوانين المتنازعة وتفضيله أ كان وطنيا او أجنبيا
ويشترط لقيام تنازع القوانين توافر شروط اجتماعية وتشريعية هي :

1- أن تتسم العلاقات والتبادلات بالصفة الدولية،


المقصود بان تتسم العلاقات والتبادلات بالصفة الدولية بعبارة أخرى هي أن تتضمن العلاقة القانونية عنصرا أجنبيا، والعناصر المكونة للعلاقة القانونية هي :
أولا : السبب المنشا لها، سواء كان هذا السبب تصرفا قانونيا كبيع او وصية أو واقعة قانونية- عملا ضارا أو عملا نافعا- أو نصا قانونيا كالولاية والوصاية، وقد يكون السبب المنشئ واقعة طبيعية كالولادة والموت.
ثانيا : أشخاص العلاقة القانونية، سواء أكان هؤلاء الأشخاص دائنين أو مدنيين أو أصحاب حقوق أو ملتزمين متسببين في ضرر ما او متضررين..إلخ
ثالثا : محل العلاقة القانونية، وهذا المحل إما أن يكون قياما بعمل شيء أو امتاعا عن القيام به او التزاما بإعطاء شيء.
فاتصال العلاقة القانونية بقوانين عدة دول قد يجعل كل قانون من قوانين تلك الدول قابلا للتطبيق على العلاقة القانونية في هذه الحالة.

2- أن يقبل المشرع الوطني في حالات معينة تطبيق قانون غير قانونه،


لأن التمسك بمبدأ سيادة القانون الوطني على إطلاقه، وفي جميع الأحوال، وضع، يؤدي إلى انتفاء أي تنازع بين قانون القاضي وأي قانون أجنبي.

3- أن يكون هناك اختلاف في التشريع بين الدول،


أما إذا كانت قوانين الدول التي تتصل بها عناصر العلاقة القانونية متشابهة وموحدة ، فإن الحكم سيكون ذاته سواء، ثم منح الاختصاص إلى قانون دولة ما أم لقانون دولة أخرى، وما دام الحكم واحدا فليس هناك من جدوى ولا مصلحة من قيام التنازع
وعليه، فإذا كانت الأنظمة القانونية في هذا المجال مختلفة، فإن هذا الاختلاف يظهر على مستويين :
1- على مستوى الوصف القانوني الذي يتم إعطاؤه لرابطة ما، فقد يعتبر قانون دولة ما، هذه الرابطة جزءا من الأحوال الشخصية بينما تعتبر دولة أخرى جزءا من الشروط الجوهرية للعقد، وكذلك قد يعتبر أحد شروط العقد جوهريا في قانون دولة، بينما يعتبره قانون دولة أخرى شرطا شكليا، فهذا التباين تنجم عنه صعوبات عند البحث عن قاعدة الإسناد ، لأن الرابطة القانونية المراد تحديد القانون الواجب التطبيق عليها، فد تدخل ضمن قاعدتين مختلفتين للإسناد ، نظرا لاختلاف الوصف القانوني الممنوح لها في كل من الدولتين.
وهكذا، فإن إسناد العلاقة ذات البعد الدولي لقانون دولة ما لا يتم بصورة مباشرة وإنما يتطلب إجراء عملية تسمى " التكييف " (الفرع الأول) حتى يتمكن من تعيين قاعدة الإسناد الملائمة.
2- وعلى مستوى ثان، إن قواعد الإسناد هي الأخرى تختلف من بلد آخر، فبعض الدول مثلا تجعل الحالة الشخصية خاضعة للقانون الوطني للشخص بينما تخضعها قوانين دول أخرى لقانون الموطن، بحيث يواجه القاضي بالإشكالية التالية :
فعندما تعین قاعدة الإسناد الوطنية قانونا أجنبيا ليطبق على العلاقة القانونية موضوع النزاع، فهل يجب على القاضي في هذه الحالة أن يستشير أيضا قاعدة الإسناد الأجنبية لمعرفة ما إذا كانت تمنح الاختصاص لقانونها أم أنه يجب عليه أن يطبق مباشرة القانون الأجنبي الداخلي ؟
هنا يواجه القاضي بإشكالية من طبيعة اخرى تعرف باسم " الإحالة " (الفرع الثاني)، وذلك لتحديد، قاعدة الإسناد الملائمة لموضوع النزاع المعروض على القاضي ( الفرع الثالث).
الفرع الأول :

التكييف في القانون الدولي الخاص

إن مشكلة التكييف qualification لا تثار فقط في القانون الدولي الخاص، بل هي مسألة أساسية تفرض نفسها على القاضي أو على رجل القانون في مختلف فروع القانون الأخرى.
فعلى مستوى القانون المدني غالبا ما يصطدم القاضي بمشكلة التكييف، حينما يتصدى مثلا لتحديد الوصف السليم للرابطة التعاقدية المطروحة أمامه، لمعرفة ما إذا كان العقد موضوع النزاع هو عقد بيع أو عقد إيجار او هبة....
ونفس المشكل يثار في إطار القانون الجنائي، بحيث يتعين على القاضي وصف الفعل الذي اقترفه المتهم، لمعرفة ما إذا كان يعتبر من قبيل السرقة أو خيانة الأمانة فتحديد طبيعة العلاقة القانونية موضوع النزاع وارجاعها لنظام قانوني معين مسألة أساسية يجب حلها أولا، وقبل كل شيء ، وتسمى عملية التحديد هذه بالتكييف، لأن تحديد قاعدة الإسناد، وبالتالي القانون الواجب التطبيق يعتمد على تعيين طبيعة العلاقة القانونية وإدخالها ضمن صنف قانوني معين.
فما هو مفهوم التكييف في نطاق تنازع القوانين (المطلب الأول) وما هو موقف الاتجاهات الفقهية المختلفة بخصوص القانون الذي يتم بموجبه التكييف (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

 مفهوم التكييف

لقد سبق أن أشرنا إلى أن التكييف هو تحليل للوقائع والتصرفات القانونية بهدف إعطائها وصفها الحقيقي ليتم إدراجها في أحد التقسيمات السائدة في فرع معين من فروع القانون، ذلك أن قواعد الإسناد لا نضع حلا لكل مسألة على حدة تطرحام القضاء، وإنما تضع الحلول لكل طائفة من المسائل.
وهكذا، فإذا أردنا تطبيق قاعدة الإسناد لتحديد القانون المختص في حكم العلاقة القانونية موضوع النزاع، ينبغي بادئ ذي بدء أن نعرف ما إذا كانت هذه العلاق هي من مسائل الأهلية ليتم إخضاعها إلى قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص، أما إذا كانت من مسائل أشكال التصرف، فإن قانون البلد الذي تمت فيه هو الذي سيحكمها، وفي حالة ما إذا كان النزاع يتعلق بالميراث، فإن قانون المتوفى هو الواجب التطبيق.
فإذا قام مثلا المدعي برفع دعوى قضائية للمطالبة بتنفيذ التزام شخصي، إلا أنه لم يحدد نوعه أو مصدره، وهذا يتطلب من القاضي المعروض عليه النزاع، أن يحدد الوصف القانوني للمسألة محل النزاع، حتى يتمكن من تحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، فهل هذه المسألة تتعلق بالتزام مصدره رابطة تعاقدية أو مسؤولية تقصيرية، وإذا كان الأمر يتعلق برابطة تعاقدية، فيجب عليه البحث في مصدرها، هل هو البيع أو الإيجار.
أما إذا كان الأمر يتعلق بالمسؤولية التقصيرية، فيتعين عليه ان يحدد ما إذا كان مصدر هذه المسؤولية هو الخطأ الشخصي أو خطأ الغير...
المطلب الثاني :

 النظريات الفقهية في مجال التكييف

إذا كان التكييف عملية أولية سابقة على تطبيق قاعدة الإسناد ، فإن القاضي تواجهه إشكالية بيان القانون الذي بموجبه يتم تكييف موضوع النزاع وإسناده إلى إحدى الفئات القانونية التي تنظمها قواعد الإسناد.
ولقد طرحت في هذا الصدد ثلاثة نظريات:
- إخضاع التكييف للقانون المقارن (الفقرة الأولى)
- إخضاع التكييف للقانون الذي يحكم النزاع (الفقرة الثانية).
- إخضاع التكييف لقانون القاضي (الفقرة الثالثة).
الفترة الأولى :

 إخضاع التكييف للقانون المقارن

حسب نظرية اخضاع التكييف للقانون الدولي الخاصص المقارن، إن التكييف يجب أن يخضع لقواعد القانون المقارن، أي أن القاضي يقوم بتوصيف العلاقة في ضوء مفاهيم عالمية بمعزل عن المفاهيم الوطنية الواردة في قانونه، وبعبارة أخرى يجب على القاضي أن يقوم بعملية تكييف موضوع النزاع بصورة مستقلة ومنفصلة عن مفاهيم قوانين الدول الداخلية وذلك دون التقيد بقانون دولة معينة.
فإذا نص قانون القاضي مثلا على أن الوصاية تخضع لقانون الشخص الذي يجب حمايته فينبغي عليه عدم الرجوع إلى القواعد الموضوعية في قانونه أو في أي قانون وضعي آخر لتحديد مضمون فكرة الوصاية، وإنما يتعين على القاضي أن يستخلص مفهوم مطلق لهذه الفكرة، وذلك من خلال القيام بدراسة مقارنة لقوانين الدول المختلفة الخاصة بحماية ناقصي الأهلية ممن لا يخضعون للسلطة الأبوية.
ويرجع الفضل لهذه النظرية الذي تزعمها الأستاذ Rabel ، في إثارة الاهتمام إلى ضرورة توحيد أوصاف العلاقة القانونية حتى يكون لقواعد الإسناد معنی عالميا، فضلا عن أن إجراء التكييف وفق القانون المقارن من شأنه تذليل الصعوبات التي تعترض القاضي عند تكييف علاقة قانونية تتعلق بنظام قانوني لا وجود له في قانون القاضي.
لكن هذه النظرية لم تلقى النجاح المطلوب، لأن قواعد القانون المقارن لم تتبلور بعدة، كما أن القانون المقارن لم يستطع أن يوفق بين أوصاف العلاقات القانونية، لان الطابع الوطني لهذا الفرع من فروع القانون، والتنافر الواضح بين مختلف النظم الوضعية حول الكثير من المسائل، ما زال عائقا تصطدم به محاولات المهتمين بالدراسات المقارنة
الفقرة الثانية :

 إخضاع التكييف للقانون الذي يحكم النزاع

يری جانب آخر من الفقه يتزعمه الفقيه الفرنسي دسبانييه (Despagnet) أن تحديد طبيعة العلاقة أو المركز محل النزاع يجب أن يتم وفقا للقانون المختص بحكم موضوع هذا النزاع، وتستند هذه النظرية على فكرة محورية مفادها أنه إذا أشارت قاعدة الإسناد بتطبيق قانون أجنبي معين على النزاع المعروض على القاضي، فإنه يتعين الرجوع إلى هذا القانون لتحديد طبيعة المسألة موضوع هذا النزاع.
وهكذا، فإن نص المشرع على أن شكل التصرفات تخضع لقانون بلد إبرامها، فإن تحديد مفهوم فكرة الشكل، ينبغي أن يتم وفق قانون بلد إبرام التصرف، أي القانون الذي أشارت قاعدة الإسناد بتطبيقه على موضوع النزاع.
ويبرر أصحاب هذه النظرية وجهة نظرهم بفكرة مفادها أن إسناد العلاقة موضوع النزاع لقانون ما، يقتضي أن يكون إسنادا إجماليا للعلاقة، فيحكمها هذا القانون بشكل كامل من ناحية تكييف العلاقة موضوع النزاع، ومن الناحية الموضوعية، وأن تجزئة حكم العلاقة وتوزيعها بين قانون القاضي الذي يحكم النزاع، من شأنه أن يؤدي إلى تعدد أوصاف العلاقة القانونية بتعدد القوانين، ومن ثم تعدد الحلول، الأمر الذي سيفضي إلى تطبيق قانون غير مختص، وهذا يتعارض مع الهدف المسطر لقواعد الإسناد . التي تتحدد مهمتها في ربط العلاقة موضوع النزاع بالقانون الذي يتلاءم معها ويحقق العدالة لأطرافها.
ويعاب على هذه النظرية أنها تجعل عملية الإسناد سابقة على التكييف، في حين أن التكييف يكون سابقا على الإسناد ، حيث يعطي الاختصاص لقانون مالحكم التكييف قبل أن يتقرر ما إذا كان سختها أم لا لحكم موضوع النزاع، ذلك أن اختصاصه يتوقف على التكييف، ولا يمكن ان يطبق إلا بعد إجراء عملية التكييف.
ذلك أن التكييف هو عملية أولية لازمة لتحديد القانون الواجب التطبيق، فكيف يمكن إخضاع التكييف للقانون المختص بحكم النزاع، في الوقت الذي يجهل فيه القاضي هذا القانون قبل تكييف المسألة موضوع النزاع.
الفترة الثالثة :

إخضاع التكييف لقانون القاضي

اخضاع التكييف لقانون القاضي يرى أصحاب هذا الاتجاه أن تحديد طبيعة العلاقة موضوع النزاع يكون بموجب قواعد قانون القاضي، بحيث يتعين على هذا الأخير النظر لهذه العلاقة من خلال المفاهيم الوطنية الواردة في قانونه الداخلي، وذلك عبر تطبيق الأفكار والمبادئ والق المضمنة فيه، ولقد تزعم هذا الاتجاه الفقهي كل من Bartin و Khan.
ولقد برر Bartin إخضاع التكييف القانون القاضي بفكرة السيادة، فالمشرع الوطني عند تنازله للقانون الأجنبي لحكم علاقة قانونية على إقليم دولته فهو يضحي بجزء من سيادة قانونه لفائدة قانون الدولة الأجنبية الذي سيطبق على موضوع النزاع، ومادام أساس اختصاص هذا القانون هو التنازل، فيجب التقيد بحدوده وعدم التوسع فيه، وبعبارة أخرى لا ينبغي تطبيق القانون الأجنبي إلا بمقدار ما أجازه المشرع الوطني، ولما كان المشرع الوطني لم يخضع التكييف لقانون آخر، فإن القاضي لا يستطيع إجراء التكييف وفق قانون آخر غير قانونه.
هكذا، ولقد انطلق "بارتن "Bartin " في وضع نظريته في التكييف من القضاء الفرنسي، واستد على وجه الخصوص إلى قضيتين شهيرتين في فقه القانون الدولي الخاص، وهما قضية ميراث المالطي وقضية وصية الهولندي.
وتتلخص وقائع قضية " ميراث المالطي " في أن زوجين من جزيرة مالطة اتخذا من الجزائر، التي كانت تابعة في ذلك الوقت لفرنسا، موطنا لهما، وبعد أن توفي الزوج ادعت الزوجة أمام محكمة الجزائر أن لها حقا على عقارات زوجها الموجودة في الجزائر، يسمى بنصيب الزوج المحتاج ، وهو حق مقرر لها بمقتضى أحكام القانون المالطي، ولقد تساءل الفقيه بارتان عن ماهية القواعد الفرنسية لتنازع القوانين المطبقة على هذه القضية مع اعترافه بصعوبة تحديد هذه القواعد، وأن معالجة هذه القضية بتنازعه حلان متناقضان، وبعبارة أخرى يكون على القاضي إما تكييف ادعاء الزوجة على أساس أنه يدخل في فكرة النظام المالي للزوجين، وإما أن يعتبر حق الزوجة المدعى به على عقارات زوجها المتوفى داخلا ضمن فكرة الميراث.
فإذا قامت المحكمة بتكييف ادعاء الزوجة على أنه يتعلق بالنظام المالي للزوجين، فإن القانون الواجب التطبيق من منظور قواعد التنازع الفرنسية، في هذه القضية هو القانون المالطي، باعتباره قانون الموطن الأول للزوجية، وبالتالي قانون الدولة التي اتجهت إرادة المتعاقدين ضمنا إلى تطبيقه، وفي هذه الحالة يتعين الحكم بأحقية الزوجة في دعواها تطبيقا لنصوص هذا القانون.
أما إذا اعتبرت المحكمة أن ادعاء الزوجة يتصل بفكرة الميراث، فإن القانون الواجب التطبيق في هذه الفرضية، وفقا لقواعد الإسناد الفرنسية، هو القانون الفرنسي بوصفه قانون موقع العقار، ويترتب على هذا التكييف رفض ادعاء الزوجة، لأن القانون الفرنسي يجهل الحق المسمى " نصيب الزوج المحتاج "
وفي هذا الصدد، يرى المرحوم الأستاذ موسى عبود :
أن هذا الحل وحده هو الذي يسمح للقاضي الخروج مما يسمى بالحلقة المفرغة، لأن القاضي لا يمكنه أن يعين القانون المختص إلا بعد ان يكيف الرابطة القانونية المعروضة عليه، أي أنه في المثال المعروض لا يمكنه أن يحكم بأن القانون المختص هو المالطي أو الفرنسي إلا بعد ان يبين نوع الرابطة التي تتضمنها قاعدة "ريع الزوج الفقير، فهو إذن لا يمكنه أن يطلب تكييف هذه القاعدة من القانون المالطي ، لأنه لا يعلم بعد إذا كان القانون المالطي هو الذي سيطبق أم القانون الفرنسي، فمسألة التكييف يجب أن تسبق مسألة تعيين القانون المختص لأنه طالما لم تحل مسألة التكييف، فإن القاضي لا يمكنه أن يستعين إلا بقانون دولته (....) ، ففي مثالنا يجب على القاضي الفرنسي أن يبدأ بتحليل " ربع الزوج الفقير في القانون المالطي ليفهم المقصود منه، وإذ ذاك يلحقه بمقتضى القانون الفرنسي إما بقواعد العلاقات الزوجية وإما بقواعد التوارث في العقارات" .
أما بالنسبة للقضية الثانية في القانون الدولي الخاص التي استند عليها الفقيه بارتان لوضع نظريته في التكييف والمعروفة ب " وصية الهولندي " والتي تتلخص وقائعها في أن هولنديا حرر في فرنسا وصية في الشكل العرفي، وهو شكل تجيزه قواعد القانون الفرنسي، ثم أثير النزاع بعد ذلك حول صحة هذه الوصية. ويرى Bartin أن تحديد صحة الوصية يتوقف أولا على تكييف المسألة محل البحث، وبالرجوع إلى القانون الهولندي نجده لا يجيز الوصية الخطية أي الوصية المحررة على الشكل العرفي حيث تم تحريرها في الخارج، وذلك حماية لإرادة الموصين والتيقن من عدم تسرعهم عند إبرام الوصية ، ولقد جعل القانون الهولندي من هذا المنع أمرا يتعلق بأهليتهم.
أما القانون الفرنسي فهو يعتبر المسألة داخلة ضمن شكل التصرفات، لأن ذلك المنع لا يمس جوهر إرادة الموصي ، وإنما هو أمر يخص بالأساس وسيلة إظهار الإرادة إلى العالم الخارجي.
يتبين مما سبق، أن قضية وصية الهولندي تثير مشكلة التكييف، بحيث يكون القاضي أمام إشكالية الخيار ما بين تطبيق قانونه من جهة، وبين تطبيق القانون الشخصي، أي القانون الهولندي، من جهة ثانية، وبذلك يختلف القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة تبعا لموقف القاضي من مشكلة تكييف المنع المذكور.
وبذلك فإن تحديد القانون الواجب التطبيق لا يتأتى إلا بعد القيام بعملية تكييف النزاع المطروح أمام القضاء، لكن ما هو القانون الذي يتم على أساسه تكييف النزاع المطروح أمام القضاء ؟
پری " بارتان " أن القضاء في فرنسا والعديد من دول العالم، عمد إلى إخضاع التكييف إلى قانون القاضي، وبناء على ذلك، إن المحاكم الفرنسية تقوم بتكييف الحق الذي تدعيه الزوجة على عقارات زوجها في قضية ميراث المالطي وفقا للقواعد العامة في القانون الفرنسي، وهذا يفضي إلى اعتبار هذه المسألة مندرجة ضمن فكرة الميراث، وتخضع بالتالي لقانون موقع العقار.
كما أن تطبيق القواعد العامة في القانون الفرنسي بوصفه قانون القاضي، يؤدي في المثال الخاص بوصية الهولندي إلى تكييف منع الموصي من إبرام الوصية الخطية على أنه يصنف ضمن فكرة شكل التصرفات، الأمر الذي يستبعد تطبيق قانون بلد الإبرام .
وقد دفعت تلك المعطيات بالفقه الحديث إلى البحث عن تبرير عملي لنظرية إخضاع التكييف لقانون القاضي، يتمثل في أن التكييف هو أولا وقبل كل شيء هو عملية سابقة على إعمال قاعدة الإسناد من حيث تعاقب الزمن، فعندما يثار التساؤل بخصوص مسألة معينة لمعرفة ما إذا كانت تندرج ضمن فكرة الشكل أو ضمن فكرة الأهلية، فإنه لا يمكن إعمال قاعدة الإسناد والتعرف على القانون الواجب التطبيق إلا بعد الانتهاء من عملية التكييف، وقبل إجراء هذه العملية لا يستطيع القاضي معرفة القانون الواجب التطبيق، وبالتالي لا يتصور تكييف المسألة موضوع النزاع إلا وفقا لقانون واحد هو قانون القاضي المطروح عليه النزاع.
أما بالنسبة للقانون المغربي، فيلاحظ أن ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، لم يتطرق لمسألة التكييف، بيد أن اتجاه القضاء يسير في اتجاه الأخذ بنظرية التكييف وفقا لقانون القاضي.
الفرع الثاني :

الإحالة في القانون الدولي الخاص

 بعد الانتهاء من عملية التكييف وتوصل القاضي المعروض عليه النزاع إلى تحديد طبيعة المسألة موضوع هذا النزاع بإعطائها الوصف القانوني وتحديد القانون الواجب التطبيق، قد يواجه القاضي بصعوبة تحديد نطاق تطبيق هذا القانون، على اعتبار أن المنظومة القانونية لأي دولة تشتمل على طائفتين من القواعد قواعد تنازع القوانين قواعد الإسناد) وقواعد موضوعية.
وبعبارة أخرى، عندما تشير قاعدة الإسناد الوطنية إلى تطبيق قانون أجنبي معين، فإن القاضي تواجهه إشكالية تحديد المقصود بهذا القانون؟ هل يقصد به القانون الأجنبي برمته ؛ الأمر الذي يفرض على القاضي استشارة قواعد الإسناد فيه والتي قد تقضي بالإحالة إلى قانون آخر؟ ام انه يتعين على القاضي تطبيق القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي على واقعة الدعوى دون الاعتداد بقواعد التنازع في هذا القانون الأخير؟
لكن فكرة الإحالة لا تطرح على القاضي حينما تتحد قواعد الإسناد في كل من دولة القاضي والدولة الأجنبية، أي عندما تقر قاعدة الإسناد في دولة القاضي نفس الحكم الذي تقرره قواعد الإسناد في القانون الأجنبية، كما لو عرض على القاضي المغربي نزاع يتعلق بأهلية إحنا الفرنسيين، وهنا لا يثار أي خلاف بشأن وجوب تطبيق القانون الفرنسي بوصفه القانون الذي تشير به قاعدة الإسناد في كل من المغرب وفرنسا.
وعليه، يتعين في البداية معالجة نظرية الإحالة (المطلب الأول ) لتنتقل بعد ذلك الدراسة أنواع الإحالة (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

 نظرية الإحالة في القانون الدولي الخاص

لقد اهتم فقه القانون الدولي الخاص بفكرة الإحالة على إثر القضية الشهيرة التي عرضت على أنظار القضاء الفرنسي، التي تعرف باسم قضية ميراث فورجو Forgo وتتلخص وقائع هذه القضية في أن شخصا بافاريا يدعى " فورجو انتقل إلى فرنسا وتوطن فيها وتكونت لديه ثروة منقولة فيها، إلا أنه رغم طول إقامته لم يكتسب موطنا قانونيا فيها، وعند وفاته عن عمر يناهز 63 عاما طالب أقاربه من الحواشي بحقهم في تركته أمام القضاء الفرنسي.
ورغم أن قاعدة الإسناد الفرنسية المختصة تقضي في هذه الحالة بتطبيق القانون البافاري بوصفه قانون موطن المتوفى الذي ظل موطنه القانوني في بلده الأصلي بافاريا وموطنه الفعلي في فرنسا، إلا أن إدارة الدومين العام بفرنسا طالبت بتطبيق القانون الفرنسي، وذلك للاستفادة من أحكامه التي تعتبر التركة في هذه الحالة شاغرة على أساس أن المطالبين بها من الحواشي لا يحق لهم الميراث؛ لتصبح بذلك الدولة - ممثلة في إدارة الدومين العام - مالكة للأموال التي لا مالك لها بحسب ما تنص عليه المادة 317 من القانون المدني الفرنسي.
وكما يتضح من وقائع القضية المذكورة، فإن جوهر الخلاف كان يتمثل في تحديد القانون الذي يخضع له الميراث : هل هو القانون الفرنسي أم القانون البافاري ؟
فإذا اعتمدنا القانون البافاري، فإن التركة تؤول إلى الحواشي (الإخوة والأخوات والأعمام والعمات)، لأن هذا القانون يسمح لهم بذلك، أما إذا أخذنا بالقانون الفرنسي، فإن التركة تؤول إلى الدولة (الدومين العام) ما دامت هذه التركة شاغرة لأن القانون الفرنسي لا يمنح الحواشي الحق في الميراث.
هذا، ولقد طبقت محكمة استئناف بوردو (Bordeaux) القانون البافاري، وقضت لحواشي المتوفى بالتركة، وذلك إعمالا لقاعدة الإسناد في القانون الفرنسي التي تنص على خضوع الميراث لقانون الموطن الأصلي.
ولقد طعنت إدارة الدومين العام في هذا القرار أمام محكمة النقض الفرنسية التي أقرت نے حكمها الصادر في 1878 / 6 / 24 بوجهة نظر هذه الإدارة وقبلت بذلك إحالة قاعدة الإسناد البافارية إلى أحكام القانون الفرنسي المتعلقة بالميراث.
ومنذ ذلك التاريخ استقر القضاء الفرنسي على الأخذ بالإحالة من الدرجة الأولى ، أي الإحالة التي تؤدي إلى تطبيق القانون الفرنسي، باعتباره قانون القاضي.
هكذا، وإذا كانت قضية " فوركو " منطلقا لتطبيق نظرية الإحالة، فإن معالجة هذه النظرية يقتضي تعريفها (الفقرة الأولى)، وتقديرها (الفقرة الثانية).
الفترة الأولى :

 تعريف الإحالة في القانون الدولي الخاص

لقد سبق أن أشرنا أن القاضي عند إعماله لقاعدة الإسناد التي قد تشير إلى قانون أجنبي معين يجد نفسه في حالة تساؤل عن المعنى المقصود بالقانون الأجنبي الذي أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه؟
إن هذا الإشكال، لا يواجه القاضي في حالة تشابه قواعد الإسناد بين الدول، فإذا كانت قواعد الإسناد في دولة القاضي تقر نفس الحكم الذي تقرره قواعد إسناد القانون المسند له الاختصاص، فإن النتيجة ستكون هي تطبيق القواعد الموضوعية في القانون المسند له الاختصاص، هذا بخلاف الفرضية التي تختلف فيها قاعدة الإسناد في القانون الأجنبي عنها في قانون القاضية.
مثلا إذا عرض على القضاء الفرنسي نزاع يتعلق بأهلية إنجليزي متوطن في فرنسا، فبينما تقضي قاعدة الإسناد الفرنسية بتطبيق القانون الإنجليزي (قانون الجنسية) نجد قواعد التنازع في هذا القانون الأخير تشير بتطبيق القانون الفرنسي بوصفه قانون الموطن.
وترتيبا على ما سبق، إن الإحالة تستلزم توافر شروط معينة :
1- اختلاف حكم قواعد الإسناد في دولة القاضي عن الحكم الذي تقرره قواعد الإسناد في القانون المسند له الاختصاص.
2- اعتماد قاضي النزاع حكم قواعد الإسناد في القانون الأجنبي الذي أشارت . بتطبيقه قاعدة الإسناد الوطنية.
3- تخلي قواعد الإسناد في القانون الأجنبي عن الاختصاص لحساب قانون دولة القاضي أو لحساب قانون آخر.
4- قبول قانون دولة القاضي أو القانون الأجنبي للاختصاص المتخلى عنه من قبل قواعد الإسناد في القانون المسند له الاختصاص.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إن نظرية الإحالة لم تكن محل اتفاق الفقه والقضاء والتشريع، بحيث يوجد انقسام حول هذه النظرية بين مؤيد ومعارض.
الفترة الثانية :

تقدیر نظرية الإحالة

يرى مؤيدو الأخذ بفكرة الإحالة أن قاعدة الإسناد الوطنية عندما تشير بتطبيق القانون الأجنبي، فإن القاضي المعروض عليه النزاع عليه أن يطبق هذا القانون ككل يتجزء، الأمر الذي يقتضي الرجوع إلى قواعد الإسناد الأجنبية والإذعان لما تشير به.
ويرد معارضو فكرة الإحالة على هذا الطرح، بأن قاعدة الإسناد الوطنية عندما تفصل في مشكلة التنازع، و تحدد القانون الواجب التطبيق على النازلة المعروضة على القاضي، فلم يعد من المقبول الرجوع إلى قواعد التنازع الأجنبية لاستشارته حول مسألة سبق للمشرع الوطني أن فصل بما ما تقتضيه سياسته التشريعية وضرورات الحياة الخاصة الدولية.
ويستند أنصار فكرة الإحالة إلى حجة ثانية ذات طابع عملي مفادها أن رفض الإحالة من شأنه تجريد الحكم الصادر في الدعوى من قيمته العملية.
ذلك أن الدولة الأجنبية التي طبقت المحكمة قانونها خلافا لما تقضي به قواعد الإسناد فيها، سترفض تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى وفقا لقانون غير مختص في نظرها.
ويرفض معارضو الإحالة هذه الحجة، من منطلق عدم لزوم تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى في الدولة التي رفضت الإحالة منها، ذلك أن هذا الحكم قد يكون واجب التنفيذ في دولة القاضي نفسه أو دولة أخرى تقضي قواعد التنازع فيها باختصاص القانون الذي طبقته المحكمة على واقعة الدعوى، هذا فضلا عن أن هناك حالات لا يمكن التنبؤ فيها مقدما بمكان وزمان تنفيذ الحكم.
هكذا، ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى فكرة الأخذ بالإحالة، فإن الاتجاه الحديث الذي تزعمه باتيفول Batiffol حاول البحث عن أساس علمي لنظرية الإحالة يتمثل في فكرة التعايش المشترك بين النظم القانونية، لأن الحكمة التي تهدف إليها قواعد القانون الدولي الخاص في نظره، هي فكرة التنسيق بين النظم القانونية المختلفة أو تحقيق التعايش المشترك بينهما.
وفي هذا الصدد، يرى باتيفول أن الطبيعة الدولية للعلاقات التي ينظمها القانون الدولي الخاص تفترض بداهة ارتباط هذه العلاقات بأكثر من قانون واحد، الأمر الذي يفرض عدم الاقتصار على قواعد الإسناد الوطنية لفض التنازع، لأن في ذلك تجاهل القواعد القانون الدولي الخاص في النظام الأجنبي الذي أشارت قواعد الإسناد في قانونها القاضي باختصاصه.
فالمشرع يسعى من وراء قواعد الإسناد التي يضعها إلى تحقيق التنسيق والانسجام بين هذه القواعد وبين قواعد التنازع الأجنبية، أي تحقيق التعايش المشترك بين النظم القانونية المختلفة .
ومن الانتقادات الموجهة إلى نظرية الفقيه  Batiffol أنها لم تحدد بوضوح السبب الداعي إلى التوقف عند حد الإحالة من الدرجة الأولى وتطبيق الأحكام الداخلية في قانون القاضي.
ولتوضيح ذلك، مثلا إذا كان النزاع المطروح أمام القضاء الفرنسي يتعلق بأهلية شخص إنجليزي متوطن في فرنسا، فإن إعمال قاعدة الإسناد الفرنسية، سيترتب عنه تطبيق القانون الإنجليزي بوده، قانون الجنسية، لكن باتيفول يرى ضرورة استشارة قواعد التنازع في القانون الإنجليزي أولا، وهي تشير هذه الحالة بتطبيق القانون الفرنسي بوصفه قانون الموطن.
وبالرجوع إلى فكرة التعايش المشترك بين النظم التي اعتمدها "باتيفول ، والتي تبرر الأخذ بإحالة قواعد التنازع الإنجليزية إلى القانون الفرنسي، حيث لا ينطبق القانون الإنجليزي في حالة لا يعترف فيها بالاختصاص لنفسه، فكيف يمكن إذن تفسير تطبيق القضاء للأحكام الموضوعية في القانون الفرنسي والحال أن قواعد الإسناد في هذا القانون لا تعترف هي الأخرى بالاختصاص لنفسها في هذه الحالة، وتشير بتطبيق القانون الإنجليزي؟
وبمعنى آخر، إذا كانت قواعد القانون الدولي الخاص تهدف بالأساس إلى تحقيق التنسيق والتعايش بين القانون الفرنسي والقانون الإنجليزي في هذه الحالة، فما هو سر تفضيل أحكام القانون الفرنسي بالذات وتطبيقه في المثال المذكور رغم ان قواعد الإسناد فيه ترفض الاختصاص بحكم النزاع اسوة بالقانون الانجليزي ؟
من هنا يتبين أن نظرية باتيفول  لم تنجح في وضع أساس نظري سليم لما استقر عليه القضاء الفرنسي بخصوص التوقف عند حد الإحالة من الدرجة الأولى أو الإحالة إلى قانون القاضي، فالولع بتطبيق القانون الوطني، والنظرة إليه على أنه أعدل القوانين المتنازعة لحكم القضية المعروضة على القاضي، فضلا عن الاعتبارات العملية وصعوبة البحث عن القانون الأجنبي، كل ذلك دفع هذا الاتجاه إلى التشبث بالإحالة من الدرجة الأولى أي الإحالة إلى قانون القاضي.
المطلب الثاني :

 أنواع الإحالة في القانون الدولي الخاص

عندما تشير قاعدة الإسناد في دولة القاضي إلى تطبيق قانون أجنبي معين، ويرجع القاضي إلى قاعدة الإسناد في هذا القانون باعتبارها صاحبة الاختصار المعروض على القاضي، فإن هذه القاعدة الأخيرة قد ترفض هذا الاختصاص في حل النزاع هذا الاختصاص وتحيله على قانون دولة ثالثة أو رابعة أو تعيده إلى قانون دولة القاضي، وهذا يفيد أن الإحالة د أنواع متعددة : منها الإحالة من الدرجة الأولى أو الإحالة العائدة (الفقرة الأولى) الإحالة  المطلقة او المتعددة (الفقرة الثانية) ثم الإحالة الدائرية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى :

الإحالة العائدة

يقصد بالإحالة العائدة إرجاع الاختصاص في حل النزاع إلى قانون القاضي، وتسمى أيضا بالإحالة من الدرجة الأولى، ويتحقق هذا النوع من الإحالة عندما يتضح بأن قاعدة الإسناد في القانون الأجنبي واجب التطبيق تقضي بأنها ليست مختصة بحل النزاع المعروض على القاضي، وأن قانون هذا الأخير هو المرشح للتطبيق على هذا النزاع. في قضية فوركو السابقة، تبين لنا بأن قاعدة الإسناد في القانون البافاري الذي أصبع واجب التطبيق بمقتضى قاعدة الإسناد الفرنسية، قضت بأنها ليست هي المختصة، وأن قانون الموطن الفعلي للمتوفي الذي هو القانون الفرنسي، هو المختص بحل النزاع.
ويعد هذا النوع من الإحالة الذي يسمى الإحالة بإعادة الاختصاص الأكثر انتشارا في التشريعات التي تأخذ بها، لأنها تسمح بتطبيق قانون دولة القاضي المعروض عليه النزاع، وهذا هو الأصل في منشأ نظرية الإحالة.
الفترة الثانية :

الإحالة المتعددة

وتسمى أيضا الإحالة من الدرجة الثانية أو الإحالة المطلقة، وتتحقق عندما تشير قاعدة الإسناد في القانون الواجب التطبيق بأنها ليست هي المختصة بحل النزاع المعروض على القاضي، لتحيله إلى قاعدة إسناد في دولة ثالثة، وتكون الإحالة في هذه الحالة من الدرجة الثانية ، أما إذا أشارت هي الأخرى بأنها غير مختصة بفض النزاع، وأحالت نفس الاختصاص إلى قاعدة إسناد في دولة رابعة او خامسة، فإن الإحالة تكون هنا متعددة ، وتجدر الإشارة إلى أنه كلما كانت الإحالة في درجتها الثانية أو الثالثة كلما تحقق التناسق بين النظم القانونية التي تقبل بهذه الإحالة، لكن عند تجاوزها هذا الحد، فإن  الهدف المنشود منها لا يتحقق، لأنها أصبحت تدور في حلقة مفرغة.
الفقرة الثالثة :

الإحالة الدائرية

يسمى هذا النوع من الإحالة بالإحالة الدائرية، لأن الاختصاص ينعقد فيها في النهاية إلى قانون دولة القاضي، وذلك مهما تعددت درجاتها، بحيث يمكن أن تتحقق في الإحالة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة... بحيث يكون قانون دولة القاضي هو المختص في النهاية وليس أي قانون آخر.


الفرع الثالث :

 قاعدة الإسناد في القانون الدولي الخاص

لقد سبق أن أشرنا إلى أن حل مشكلة " تنازع القوانين يتم بواسطة إعمال قواعد قانونية خاصة تسمى بقواعد تنازع القوانين "  regles de conflict"، أو " قواعد الإسناد Règles de rattachement ".
ويمكن تعريف قواعد الإسناد بأنها "القواعد القانونية التي ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على المراكز القانونية ذات العنصر الأجنبي".


وهي قواعد يضعها المشرع الوطني لاختيار القانون الملائم لحكم العلاقة الخاصة المتضمنة عنصرا أجنبيا .
 وهكذا، فقبل أن يلجأ القاضي لحكم القانون الأجنبي، لابد من استشارة قواعد الإسناد الوطنية التي ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق، وتتطلب دراسة قاعدة الإسناد ، تحديد ماهيتها (المبحث الأول) وكيفية تطبيقها (المبحث الثاني).
المبحث الأول :

ماهية قاعدة الإسناد

لقد سبق أن أشرنا إلى أن قاعدة الإسناد هي من قواعد القانون الدولي الخاص، التي تعتمدها الدول لتنظيم العلاقات ذات العنصر الأجنبي، وذلك لصعوبة وضع القواعد الموضوعية لتنظيم هذه العلاقات عندما تعرض على القاضي الوطني نزاعات لا يجد لا حلا موضوعيا في قانونه الوطني، فما هي هذه القواعد (المطلب الأول)، وما هي طبيعتها المطلب الثاني)، وما هي العناصر المكونة لها (المطلب الثالث).
المطلب الأول :

مفهوم قاعدة الإسناد

اختلف الفقه في تحديد مفهوم قاعدة الإسناد ، فهناك فريق يعتبرها قاعدة قانونية وضعية تفرد بخصائص محددة تميزها عن غيرها من القواعد الموضوعية، بحيث يعرفها بأنها "قاعدة قانونية وضعية ذات طبيعة فنية تسري على العلاقات الخاصة الدولية، الاختيار أكثر القوانين مناسبة وملائمة، لتنظيم تلك العلاقات، حينما تتعدد القوانين ذات القابلية للتطبيق عليها.
ويؤخذ على هذا التعريف أنه يعتبر قاعدة الإسناد قاعدة موضوعية، مع العلم أن هذه القاعدة هي قاعدة شكلية وليست قاعدة موضوعية، لها وظيفة تحديد الاختصاص أي إسناده إلى القانون الواجب التطبيق، عندما لا يجد القاضي حلا للنزاع المعروض عليه في قانونه الوطني.
أما الفريق الثاني، فإنه ينظر إلى قاعدة الإسناد باعتبارها قاعدة مفترضة يستخلصها القاضي من القواعد الموضوعية بواسطة الإشارة التي توجهه إلى تطبيق القانون الأجنبي على النزاع المعروض عليه، ويعرفها بأنها هي : القاعدة التي تحدد القانون واجب التطبيق بالنسبة لعلاقة قانونية او مركز قانوني يشتمل على عنصر أجنبي.
لكن هذا التعريف لا يحدد بشكل واضح طبيعة هذه القاعدة ما اذا كانت موضوعية أو شكلية، أو إنها قاعدة وضعية، أو مجرد افتراض يتم استخلاص الإشارة التي تتضمنها القاعدة الموضوعية، والتي توجه القاضي أو ترشده إلى التنا الملائم على النزاع المعروض عليه.
كما أن التعريف المذكور لا يحدد الخصائص التي تميز قاعدة الإسناد عن غيرها من القواعد القانونية ، بل اكتفى بالإشارة إلى أنها مجرد قاعدة إرشاد توجه القاضي إلىالقانون الملائم والمناسب لحكم النزاع المعروض عليه.
ويرى أحد المحللين أن قاعدة الإسناد هي كل قاعدة يوجه من خلالها المشرع الوطني خطابه التشريعي إلى القاضي المعروض عليه النزاع، وذلك لإرشاده إلى القانون الواجب التطبيق، في العلاقات أو الروابط القانونية ذات العنصر الأجنبي عندما تتعدد القوانين القابلة للتطبيق عليها.
المطلب الثاني :

طبيعة قاعدة الإسناد

تبين من التعريف السابق أن قاعدة الإسناد هي من قواعد القانون الدولي الخاص، بذلك تتميز عن غيرها من القواعد الداخلية بكونها قاعدة غير مباشرة أو إجرائية (الفقرة الأولى)، كما أنها قاعدة مزدوجة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :

قاعدة الإسناد هي قاعدة إجرائية

تتميز قاعدة الإسناد من حيث مضمونها بأنها قاعدة غير مباشرة أو إجرائية بمعنى أنها لا تنطبق على النزاع المعروض على القاضي، مباشرة، لأنها ليست من القواعد التي تتضمن حلا موضوعيا، والتي تختص بتنظيم فعل او سلوك إنساني معين، وبتعبير آخر، إن قاعدة الإسناد لا تقوم بإعطاء الحل النهائي للنزاع: المعروض على القاضى مباشرة، وإنما هي تحدد فقط القانون الواجب التطبيق على النزاع المتضمن عنصرا أجنبيا، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا القانون هو قانون دولته، او أي قانون أجنبي آخر، وهو ما يجعلها قاعدة مستقلة عن القواعد الموضوعية، لا علاقة لها بقواعد القانون الخاص ولا بقواعد القانون العام.
هذا، وإذا كانت قاعدة الإسناد لا تقوم بتحديد اختصاص القانون الواجب التطبيق، فإنها لا تقوم بتحديد قانون دولة معينة بذاتها، وإنما ينحصر دورها الأساسي في الريط بشكل مجرد بين طائفة معينة من العلاقات أو المراكز القانونية واحد القوانين المرشحة لحكم العلاقة محل النزاع.
فمثلا قاعدة الإسناد المتعلقة بالأهلية تشير إلى مبدأ إخضاع هذه الأهلية لقانون جنسية الشخص بصورة مجردة، وبعد إعمال قاعدة الإسناد يطبق القاضي القانون الموضوعي الواجب التطبيق حسب الحالة، وبذلك تكون قاعدة الإسناد غير محددة المضمون، لأنها قاعدة غير مباشرة
وعلى مستوى آخر، تعتبر قاعدة الإسناد قاعدة محايدة، ما دام موضوعها يقتصر على إرشاد وتوجيه القاضي إلى القانون الملائم لفض النزاع، بمعنى أن هذا التوجيه لا ينص تطبيق قانون محدد ، وإنما إسناد الحكم إلى القانون الذي يعتبره القاضي مناسبا الحل النزاع المعروض عليه، وذلك تبعا لاختلاف طبيعة هذا النزاع او القوانين المناسبة الحله، وهذا ما يفسر بأن قاعدة الإسناد لا يمكن ان تفضل أي قانون على آخر او تقوم بتحديده سلفا فتطبقه على هذا النزاع أو ذاك، لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين القواعد القانونية ولأن الهدف الأساسي لقاعدة الإسناد هو فض التنازع بين القوانين وتحقيق العدالة لدى الأطراف المتنازعة.
الفقرة الثانية :

 قاعدة الإسناد قاعدة مزدوجة

إذا كانت قاعدة الإسناد من حيث مضمونها قاعدة غير مباشرة، فإنها من حيث آثار تطبيقها تعتبر مزدوجة  ذات جانبين، بمعنى أنها قد تشير باختصاص قانون دولة القاضي، كما انها قد لا تمنح الاختصاص إلى هذا القانون وتقضي بتطبيق قانون أجنبي.
فإذا أثير مثلا نزاع بخصوص أهلية الأجنبي، فإن الفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، يقضي بأن قانون الشخص المعني أي القانون الأجنبي بالنسبة للقاضي هو الواجب التطبيق، أما إذا انصب النزاع على أهلية أحد المغاربة، فإن القاضي المعروض عليه النزاع سيطبق القانون المغربي.
المطلب الثالث:

عناصر قاعدة الإسناد

تتكون قاعدة الإسناد من ثلاث عناصر أساسية: الفكرة المسندة أو موضوع "الإسناد (الفقرة الأولى) (Matiere a rattacher ) وضابط الإسناد (Concept de rattachement) الفقرة الثانية والقانون المسند إليه (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى :

الفكرة المسندة في نطاق تنازع القوانين

لقد قام المشرع بتصنيف المراكز والعلاقات القانونية المتضمنة عنصرا أجنبيا إلى فئات مختلفة، وذلك لصعوبة حصرها، وتسمى كل فئة منها بالفكرة المسندة ، وتتضمن كل فئة أو فكرة مسندة المراكز أو العلاقات المتقاربة أو المتشابهة.
ويضع المشرع لكل فئة من الفئات المتشابهة ضابطا خاصا پسندها إلى قانون معین، فالأفكار المتعلقة بالأحوال الشخصية يسندها المشرع إلى قانون الجنسية كالحالة والأهلية، كما يسند المشرع أيضا فكرة التصرفات إلى قانون بلد إبرامها، وفكرة الالتزامات التعاقدية إلى قانون الإرادة، أما بخصوص المراكز القانونية المتعلقة باكتساب الملكية والحيازة وتقرير الحقوق العينية ، قام المشرع بجمعها في فكرة مسندة واحدة هي فكرة مركز الأموال وأسند هذه الفكرة إلى قانون الموقع.
وبناء على هذا المعنى، إن الفكرة المسندة أو موضوع الإسناد هو صلة الوصل بين محل النزاع المعروض على القاضي وبين القانون الواجب التطبيق، ذلك لأن العلاقات والمراكز القانونية موضوع النزاع، إذا كانت متصلة بطائفة قانونية محددة فإن هذه الطائفة هي التي تؤدي إلى تحديد القانون الواجب التطبيق، بعد أن يقوم القاضي باختياره من بين القوانين القابلة للتطبيق على النزاع المذكور.
الفترة الثانية :

 ضابط الإسناد في نطاق تنازع القوانين

  ضابط الاسناد هو العنصر الثاني من عناصر قاعدة الإسناد، ويعتبره البعض بمثابة المرشد أو المعيار المختار الذي يرشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على المركز القانوني، أو هو "الواسطة التي تربط ما بين الفكرة المسندة وقانون دولة معينة، كما عرفه جانب من الفقه بأنه "همزة الوصل أو أداة الوصل بين موضوع القاعدة والقانون المسند إليه .
فما هو المعيار الذي على أساسه يتم ربط العلاقة ذات الطابع الدولي الخاص بقانون معين الحكم هذه العلاقة؟
من الطبيعي أن يستمد الضابط أو المعيار عن طريق أحد العناصر الثلاثة لأي علاقة قانونية، وهو عنصر المحل و الأطراف و السبب، كما أن أهمية كل عنصر من هذه العناصر تختلف وفقا لطبيعة أو شكل هذه العلاقة.
ومن المفروض أن يستمد ضابط الإسناد من العنصر الذي يمثل مركز الثقلين العلاقة القانونية محل البحث، فإذا كان مركز الثقل في العلاقة هو عنصر الأطراف، كما هو الحال في العلاقات الخاصة بالأحوال الشخصية، فإن ضابط جنسية أحد الأطراف او كليهما أو الموطن هو المعيار الذي يتصل بهذا العنصر، وبمعنى آخر، ان المشرع يتخذ من الجنسية أو الموطن ضابطا للإسناد يرشد إلى القانون الواجب التطبيق على المنازعات المندرجة في فكرة الحالة أو الأهلية.
اما إذا تبين أن العنصر الرئيسي في العلاقة هو المحل أو الموضوع، كما هو الشأن في الحقوق العينية، فإن الضابط تكون له علاقة بهذا العنصر، كضابط موقع الأموال.
وقد يكون مركز الثقل في العلاقة القانونية هو عنصر السبب، ففي مجال التصرفات القانونية يتم البحث عن ضابط بهذا العنصر، كضابط إرادة المتعاقدين فيما يخص الالتزامات التعاقدية أو ضابط محل وقوع الفعل كما في المسؤولية التقصيرية.
وقد ينص المشرع أن العقود تخضع لقانون الإرادة ، أي للقانون الذي تختاره إرادة المتعاقدين، بمعنى أنه جعل من إرادة الأطراف ضابطا للإسناد في الروابط التعاقدية، وقد تضمن قاعدة الإسناد ضابطا وحدا أو أكثر.

أولا : ضابط إسناد واحد

وفي هذا الصدد تنص المادة 83 من اتفاقية روما الأوروبية الخاصة بالمنافسة غير المشروعة، والتي تنص (لا تطبق نصوص المواد 85، 86 من القانون الأوربي إلا إذا رتبت الأفعال غير المشروعة آثارها داخل السوق الأوربي، ومعنى هذا أن تلك الآثار يجب أن تقع في داخل إحدى الدول الأعضاء في المحاكم الأوروبية، أي ان ضابط الإسناد يركز على محل وقوع الضرر.
وبالرجوع أيضا إلى الكتاب الأخضر للجنة الأوربية المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، نجدها اعتمدت الحل الجاري في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية لسنة 1995، والذي يتضمن ضابط إسناد واحد هو قانون مكان تحميل المادة المعتدى عليها في شبكة الانترنت

ثانيا : ضابط إسناد مركب

قد تتضمن القاعدة ضابطين أو أكثر للإسناد، وذلك بهدف التسهيل على المتعاملين ومنحهم فرصة لاختيار القانون الملائم التي تشير هذه الضوابط باختصاصها الحكم العلاقة المعروضة على القاضي، ويكون تطبيق أحد هذه القوانين تطبيقا اختياريا ولا يتسم بأي طابع إلزامي.
وكمثال على ذلك ما نص عليه الفصل 12 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، والتي جاء فيها : " إن العقد المنظم للعلاقات المالية بين الزوجين يكون صحيحا من حيث الشكل إذا أبرم حسب قواعد القانون الوطني  لكل من الزوجين او عند انعدامها إذا أبرم حسب القواعد التي يفرضها القانون الفرنسي على الفرنسيين في فرنسا ".
وقد نكون أمام إسناد تخييري عندما يقوم المشرع بصياغة ضابط الإسناد بشكل تتعدد فيه ضوابط الإسناد على نحو تكون فيه العلاقة القانونية الواردة في الفكرة المسندة صحيحة إذا تمت وفقا لأي ضابط من ضوابط الإسناد الواردة في هذه القاعدة.
وهذا ما يمكن أن نستخلصه من الفصل 10 من ظهير 12 غشت 1913 الذي جاء فيه ما يلي: " إن التصرفات القانونية التي ينجزها الفرنسيون أو الأجانب في منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب تكون صحيحة من حيث الشكل إذا ما أبرمت بمقتضى القواعد التي يعينها إما القانون الوطني للطرفين وإما القانون الفرنسي وإما التشريع الموضوع المنطقة الحماية الفرنسية وإما القوانين والأعراف المحلية ".
وإذا كانت ضوابط الإسناد في الفصل 10 تتسم بالمساواة فيما بينها، ففي حالات أخرى تتم صياغة ضوابط الإسناد التخييرية بشكل تدريجي بحيث يطبق أولا ضابط الإسناد الرئيسي، فإذا لم يتحقق هذا الضابط تم الالتجاء إلى الضوابط الاحتياطية الأخرى الواردة في القاعدة.
المبحث الثاني :

 تطبيق قاعدة الإسناد

إذا توصل القاضي إلى تعيين القانون الواجب التطبيق عن طريق إعمال فاع الإسناد ، فإن التساؤل يثور حينئذ عما إذا كان القاضي ملزما بتطبيقه والبحث عن مضمونه من تلقاء نفسه، أم يتعين على الأطراف التمسك بتطبيق هذا القانون واقا الدليل على أحكامه ؟
وفي حالة ما إذا طبق القاضي القانون الأجنبي، هل يتعين على محكمة النقض أن تفرض رقابتها على تفسيره، أم إن إساءة تفسير هذا القانون تخرج عن نطاق اختصاصها ؟
ومن جهة أخرى ركز الفقه التقليدي على طبيعة القانون الأجنبي وصفته أمام القضاء الوطني، فهل يعتبزمن قبيل الوقائع أم يظل محتفظا بكيانه القانوني، وعندئذ هل يندمج في القانون الوطني ويصبح جزءا منه، أم تبقى له على العكس صفته الأجنبية ؟
وعلى ذلك، سنقوم أولا بتحليل دور القاضي في تطبيق القانون الأجنبي ( المطلب  الأول )، ثم نتولى بعد ذلك دراسة رقابة محكمة النقض على تطبيق وتفسير القانونالأجنبي (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

دور القاضي في تطبيق القانون الأجنبي

إن بحث دور القاضي في تطبيق القانون الأجنبي يقتضي أولا معالجة مسألة مدى التزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد، ذلك أن تطبيق القانون الأجنبي، ما هو في حقيقة الأمر إلا إذعان من طرف القاضي للأمر الصادر عن المشرع بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية، ومن ثم فهل دور القاضي في تطبيق قانونه لا يختلف عن دوره عند تطبيق القانون الأجنبي ؟

ومن ناحية أخرى، إن تطبيق القانون الأجنبي يثير مسألة البحث في الطريقة المتبعة عند تفسير هذا القانون، هل يفسره القاضي كما يفسر قانونه أم أنه ملزم بالعيد بالحلول القضائية السائدة في الدولة الأجنبية الصادر عنها ذلك القانون؟
وعليه، سنتطرق إلى سلطة القاضي في إعمال قاعدة الإسناد في (فقرة أولى)، لننتقل بعد ذلك، إلى تحديد مدى سلطته في البحث عن مضمون القانون الأجنبي، في ( فقرة ثانية) لنتناول في مرحلة تالية ، سلطة القاضي في تفسير القانون الأجنبي في ( فقرة  ثالثة ).
الفقرة الأولى :

سلطة القاضي في إعمال قاعدة الإسناد

كان القضاء الفرنسي يعلق التزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير قاعدة الإسناد باختصاصه، على شرط تمسك الخصوم بأحكام هذا القانون، وقد فسر البعض هذا التوجه من منطلق اعتبار القانون الأجنبي مجرد عنصر من عناصر الواقع في فرنسا أو يجب أن يعامل على الأقل معاملة الوقائع.
وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية، نجد أنه يتأسس على مبدأ أساسي يتمثل في أن الخصوم يتوجب عليهم التمسك بوقائع الدعوى، هذا بخلاف القانون الذي يكون القاضي ملزما بتطبيق أحكامه من تلقاء نفسه.
زد على ذلك أن القاضي لا يفترض فيه العلم إلا بقانونه الوطني عملا بقاعدة وجوب علم القاضي بالقانون استادا إلى قرينة النشر في الجريدة الرسمية بدولة القاضي، وبالتالي فإن هذه القاعدة لا تتطبق بالنسبة للقانون الأجنبي، فضلا عن استحالة علم القاضي بجميع القوانين الأجنبية، لهذا من الصعب جدا مطالبة القاضي بتطبيق تلك القوانين من تلقاء نفسه والتحقق من مضامينها ، وهذا ما يبرر اشتراط تمسك الأطراف بأحكام القانون الأجنبي لإمكانية تطبيقه من طرف القاضي.
ولقد غير القضاء الفرنسي موقفه نسبيا بخصوص طبيعة القانون الأجنبي، بحيث لم يعد ينظر إليه على انه مجرد واقعة ولا يعامله معاملة الوقائع منذ سنة 1959، بحيث خول القضاء الفرنسي القاضي حق تطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه.
ولقد أكد الفقه الحديث في فرنسا التزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، بحيث يكون من واجب القاضي تطبيق أحكام القانون الأجنبي المختص دون حاجة لتمسك الخصوم بأحكام هذا القانون، ما دام المشرع الوطني قد أمره بذلك بمقتضى قاعدة الإسناد. الوطنية التي أضفت على هذا القانون قوته الملزمة أمام القضاء الوطني، من هنا يظهر ارتباط التزام القاضي بتطبيق القانون الأجنبي بالتزامه بتطبيق القواعد الوطنية.
وهناك من يرى أن القاضي ليس ملزما بالبحث عن مضمون القانون الأجنبي، لأن التزامه بإعمال قاعدة الإسناد ينتهي عندما يطلب من الخصوم إثبات أحكام الأجنبي مادام يستحيل عليه معرفة قوانين جميع الدول.
الفترة الثانية:

 سلطة القاضي في البحث عن مضمون القانون الأجنبي

يرى البعض أنه من الصعب جدا إلزام القاضي بالبحث عن مضمون القانون الأجنبي، فالاعتبارات العملية هي التي تبرر لجوء القاضي الفرنسي إلى تحميل الاطراف عبد البحث عن مضمون القانون الأجنبي، فالطرف المتمسك بتطبيق القانون الأجنبي هو صاحب المصلحة الحقيقية في الكشف عن مضمون هذا القانون، وما دام الأمر كذلك، فإنه من الطبيعي أن يتحمل الطرف عبء إثبات القانون الذي يتمسك بأحكامه.
لكن هناك من يعتقد بأنه يفترض علم القاضي بالقانون الأجنبي أسوة بالتشريع الوطني، ولا يعفى القاضي من التزامه بتطبيق القانون الأجنبي إلا في حالة ما إذا استحال عليه التوصل إلى مضمونه، وليس هناك ما يمنع استعانة القاضي بأطراف النزاع في البحث عن مضمون هذا القانون عبر تقديم الأدلة التي تمكنه من العلم به.
ومن ناحية أخرى، إن قيام القاضي بتحديد قواعد القانون الأجنبي الواجب التطبيق، التي أشارت عليها قاعدة الإسناد، يعني أن القاضي طبق قواعد الإسناد الوطنية ، مما يفرض التمييز بين أعمال هذه القواعد، وبين تطبيق القانون الذي تشير هذه الأخيرة باختصاصه، فإذا كان لا يفترض في القاضي العلم بالقانون الأجنبي، فإنه من غير المقبول أن يجهل أحكام قواعد الإسناد الوطنية الصادرة عن السلطة التشريعية لبلده، وبالتالي لا ينبغي على القاضي أن ينتظر مطالبة الخصم بإعمال قاعدة الإسناد ، بل يجب عليه أن يبادر بذلك، وبعد هذه العملية يدخل القاضي في المرحلة التالية المتعلقة بتطبيق القانون الواجب التطبيق، أي القانون الأجنبي.
من هنا يتبين أن القاضي هو ملزم بإثارة اختصاصه بالنظر في النزاع الذي يتض. عنصرا أجنبيا، وذلك من تلقاء نفسه، وسواء تمسك به الخصوم أم لا، ولا يهم بعدن ما إذا كان هذا الوضع سيفضي إلى تطبيق قانونه في حالة ما إذا تعذر عليه معرفة مضمون القانون الأجنبي.
لكن لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حد استسلام القاضي لصعوبات الكشف عن مضمون هذا القانون، ويتخلى عن التزامه بإعمال قاعدة الإسناد وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير باختصاصه، فلقد أكد الفقه الحديث أن عدم افتراض علم القاضي بالقانون الأجنبي لا ينفي التزامه القانوني بالبحث عن مضمون هذا القانون، ذلك أن التزامه هذا يندرج في إطار القواعد العامة في قانون الإجراءات، تلك القواعد التي تقضي بأن يقوم القاضي بتطبيق أحكام القانون على وقائع الدعوى دون حاجة إلى تمسك الخصم بأحكامه او الكشف عن مضمونه.
ولم ينص المشرع المغربي على الطرق الممكن اعتمادها للبحث عن مضمون القانون الأجنبي.. ولذلك، فإن القاضي يستطيع استعمال كافة وسائل العلم بالقانون الأجنبي للتوصل إلى الكشف عن مضمونه، مثلا تقديم شهادة خاصة من طرف جهات معينة (محامين، قناصلة، سفارات../ أو اللجوء إلى الخبرة ، عبر استشارة خبراء كاساتذة الجامعات والخبراء المتخصصين.)
وفي حالة استحالة التوصل إلى الكشف عن مضمون القانون الأجنبي، فإن جانبا من الفقه يرى أن من واجب القاضي التوقف عن الفصل في الدعوى إذا ما تعذر عليه الكشف عن أحكام القانون المختص، لكن هذا الطرح يتعارض مع الدور المنوط به المتمثل في وجوب الفصل في الدعوى، وإلا يصبح منكرا للعدالة.
وبمعنى آخر، إن القاضي هو ملزم دائما بالبحث عن القاعدة الواجبة التطبيق نمنا الصدد، يرى البعض، أن تجاوز ذلك المأزق يقتضي تطبيق أي قانون يكون و إلى القانون الذي تعذر الكشف عن مضمونه، فإذا تعذر عليه مثلا الكشف عن مضمون القانون الأمريكي، فيمكنه تطبيق القانون الإنجليزي باعتباره ينتمي إلى نفس " العائلة القانونية ".
لكن هذا الرأي تعترضه عدة صعوبات، خاصة بمسألة التأكد من مدى التقارب بين التشريعات المختلفة، ما دام المشرع غالبا ما يستوحي أحكام قوانينه من عدة تشريعات، وذلك تحت تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، مما لا يدع مجالا لتقارب أحكام القوانين ولو كانت من نفس العائلة.
واتجه جانب آخر من الفقه إلى القول بتطبيق أكثر القوانين ارتباطا بالعلاقة الدولية محل النزاع، سواء كان قانونا أجنبيا أم قانون القاضي نفسه، ومن بين الانتقادات الموجهة لهذا الطرح أنه يخل بمبدأ استقرار المعاملات لكونه يجرد المتقاضين من إمكانية العلم المسبق بالقاعدة الواجبة الاتباع.
ولقد كان للانتقادات الموجهة إلى الحلول السابقة أثرها في اتجاه الفقه والقضاء في فرنسا إلى القول بضرورة تطبيق قانون القاضي، إذا لم يكن هناك قانون آخر أقرب إلى طبيعة العلاقة الدولية محل النزاع بعد القانون الذي أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه، والذي استحال الكشف عن مضمونه.
ولقد استقر القضاء الفرنسي في تطبيقه للقانون الوطني على فكرة الاختصاص العام لقانون القاضي، بوصفه صاحب الولاية العامة لحكم جميع علاقات القانون الخاص، هذا فضلا عن كون هذا التطبيق يتأسس على اعتبارات عملية، لما لهذا القانون من اختصاص " احتياطي " في الأحوال التي يتعذر فيها الكشف عن مضمون القانون الأجنبي صاحب الاختصاص الأصيل بموجب قواعد القانون الدولي الخاص.
الفقرة الثالثة :

سلطة القاضي في تفسير القانون الأجنبي

پری جانب من الفقه أن دور القاضي في تفسير القانون الأجنبي لا يختلف عن دوره في تفسير قانونه، حيث يبحث عن نية المشرع وما يستهدفه من وراء القواعد التي صدرت عنه، ويمكن للقاضي الاستئناس في تفسير القوانين الأجنبية، بآراء الفقه والقضاء الأجنبي ومع ذلك فهو غير ملزم بالأخذ بها.
ويرى البعض أنه يتعين على القاضي إعمال منهجية التفسير المعتمدة في البلد الذي صدر عنه القانون الأجنبي، ومن ثم يخضع القاضي في تفسيره لهذا القانون المبادئ هذا الأخير، وبمعنى آخر، ينبغي على القاضي أن يتقيد بالتفسير القضائي السائد في البلد الذي يطبق قانونه.
ويتمتع القاضي بسلطة تقديرية تخول له تمحيص وتدقيق الاجتهاد القضائي الأجنبي وإعمال فكره وتجربته للتوصل إلى حل عادل للنزاع ".
فالمحاكم ملزمة بتفسير القانون الأجنبي، كما تفسر القانون الداخلي مهتدية برای محكمة النقض المغربية التي هي حرة في اللجوء إلى التفسير الأجنبي كمجرد وسيلة بحث عن الحقيقة، بحيث تستطيع تفسير القانون الأجنبي بالكيفية التي ترتئيها وبنفس الكيفية التي يفسر بها القانون المغربي الداخلي.
كما يمكن للقاضي الاستعانة بالفقه لمعرفة القانون الأجنبي والكشف عن مضمونه، إذ كثيرا ما يستدل القضاة ويستشهدون بآراء الفقهاء في حيثياتهم لتعليل أحكامهم وقراراتهم.
المطلب الثاني :

رقابة محكمة النقض على تطبيق وتفسير القانون الأجنبي

لقد تبين لنا مما سبق، أن العلاقات الخاصة الدولية، لا تخضع في الأصل في تنظيمها للقواعد الموضوعية، بل لقواعد الإسناد، وبالتالي، فإن مهمة محكمة النقض تتمثل في توحيد اجتهاداته والتصدي لفرض رقابته على تطبيق وتفسير القانون الأجنبي، ومعلوم أن الأحكام الصادرة عن المحاكم العصرية المغربية، كانت، ترفع للنقض، في عهد الحماية، لدى محكمة النقض الفرنسية حتى تأسيس المجلس الأعلى المغربي سنة 1957 مباشرة بعد الاستقلال.
فعندما تشير قاعدة الإسناد المغربية بتطبيق قانون أجنبي معين، فإن التساؤل يثور عما إذا كان على محكمة النقض أن تفرض رقابتها على تطبيقه وتأويله، أم أن هذه الرقابة لا تدخل في اختصاصها ؟
وبخصوص تحديد مفهوم هذه الرقابة، ينبغي التمييز بين الرقابة على تطبيق قاعدة الإسناد التي تعتبر من القواعد الداخلية للقانون الدولي الخاص المغربي، وبين القانون الواجب التطبيق، وهذا ما يجعل مهمة محكمة النقض الرقابية إلى حد ما معقدة.
ولقد نص الفصل 13 من الظهير المؤسس للمجلس الأعلى الصادر بتاريخ 1957 / 09 / 27 في فقرته الأولى على أن من جملة الأسباب التي يمكن ان يبنى عليها طلب النقض خرق قانون أجنبي خاص بالأحوال الشخصية و بصدور المسطرة المدنية لسنة 1974 تم حذف هذه العبارة.
لذا يتعين دراسة رقابة محكمة النقض على تفسير وتطبيق القانون الأجنبي، وذلك من خلال مرحلتين : قبل صدور ظهير 28 ششبر1974 (الفقرة الأولى)  و بعد صدور ظهير 28 شتنبر 1974 (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى :

قبل صدور ظهير 28 شتنبر 1974

لقد نص الفصل 13 من الظهير المؤسس للمجلس الأعلى على أن خرق قانون أجنبي خاص بالأحوال الشخصية يدخل ضمن الأسباب الموجبة للنقض.
يتبين من هذا المقتضى أن رقابة محكمة النقض في تلك الفترة، كانت محصورة في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، وينسحب مفهوم هذه الأخيرة إلى كل المسائل التي نظمتها مدونة الأسرة من زواج وطلاق ونسب وحالة الأشخاص والأهلية والإرث والوصية.
ويفهم من ذلك أن خرق هذا القانون بشكل سببا للنقض، ويترتب على ذلك أن تطبيقه أمر إلزامي، كما أن عدم تطبيق ذلك القانون هو خرق له، فضلا عن كونه يشكل خرقا لقاعدة الإسناد ، وعليه إن تطبيق القانون الأجنبي للأحوال الشخصية هو بمقتضى ظهير 1957 من النظام العام الداخلي.
وفيما يتعلق بتفسير القانون الأجنبي المتعلق بالأحوال الشخصية، تفسيرا مخطئا، فإنه يعد خرقا لهذا القانون، ويخضع بالتالي لرقابة محكمة النقض، لكن الإشكال يتمثل في تحديد الكيفية التي تمارس بها محكمة النقض هذه الرقابة: هل يتعين عليها أن تعتمد التفسير الذي استقرت عليه محكمة النقض في بلاد ذلك القانون أم أنها تستطيع تفسيره حسب اجتهادها الخاص ؟
ومن ناحية أخرى، هل محاكم الموضوع نكون ملزمة بالبحث عن ذلك التفسير الأجنبي وتقيد به كيفما كان، أم أنه يجوز لها أن تجتهد فتفسره كما تفعل بصدد القانون المغربي مهتدية باجتهاد محكمة النقض ؟
يظهر أن جوهر المشكلة يتحدد فيما إذا كان سوء التفسير يكون خطأ قانونيا ليخضع للرقابة أم أنه لا يعدو-على العكس - أن يكون من قبيل تقدير الوقائع ويخضع بذلك للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
يرى الأستاذ المرحوم موسى عبود أن المشرع إذ منح المجلس الأعلى حق الرقابة على ذلك التفسير أراد ان يجعل القانون الأجنبي المتعلق بالأحوال الشخصية في نفس المرتبة القوانين المغربية الداخلية، فالمحاكم الدنيا ملزمة أن تفسره كما تفسر القانون الداخلي مهندية بالخصوص برأي المجلس الأعلى، وإذا كانت تلتجئ إلى تفسير ذلك القانون حسبما استقرت عليه محاكم الدولة الأجنبية، فإنما يكون عملها مجرد وسيلة من وسائل البحث لا على سبيل الإلزام، ولذلك لا تكون مقيدة بذلك التفسير وينطبق القول نفسه على الأسلوب الذي يجب أن يسلكه المجلس الاعلى"
الفقرة الثانية :

 بعد صدور ظهر 28 شتنبر 1974

لقد أحدث هذا الظهير تغييرا جذريا على مستوى الرقابة المفروضة على تطبيق وتفسير محاكم الموضوع للقانون الأجنبي، حيث تم بموجب الفصل 359 من قانون المسطرة المدنية حذف عبارة  " خرق القانون الأجنبي المتعلق بالأحوال الشخصية " وذلك في معرض حديثها عن أسباب طلب النقض، واقتصر فقط على خرق القانون الداخلي.
ويبدو أن إسقاط تلك الفقرة، قد يحمل على الاعتقاد بأنه لم يبق لمحكمة النقض حق مراقبة تطبيق وتفسير القانون الأجنبي، لكن البعض يرى أن "قواعد الإسناد في مادة الأحوال الشخصية هي تشريعية (ظهير 12 غشت 1913)، ولذلك فإن قانون الأحوال الشخصية الذي تعينه قاعدة الإسناد يصبح بالنسبة للقاضي المغربي بمثابة قانون مغربي داخلي ملزم له وللأطراف، إذ لا يجوز لهم أن يتنازلوا عنه".
أما فيما يتعلق بالقوانين الأخرى غير الأحوال الشخصية، سواء تلك التي يترك فيها للأطراف حرية تعيين القانون الواجب التطبيق أو التي يحدد فيها بكيفية إلزامية القانون الواجب التطبيق، فإن هذا الأخير يعد بمثابة قانون داخلي، ويخضع تطبيقها وتفسيرها الرقابة محكمة النقض".
وذلك لأن محكمة النقض تعتبر هيئة عليا تكلف مبدئيا بالنظر في مدى موافقة الأحكام الصادرة عن المحاكم الدنيا والمطعون فيها أمامها للمبادئ والنصوص القانونية.
أو خروجها عن تلك المبادئ والنصوص، وذلك طبقا للمقتضيات الواردة في ظهير 1957 / 09 / 27 المؤسس للمجلس الأعلى وظهير 1974 / 9 / 28 بمثابة قانون المسطرة المدنية "
الفصل الثاني :

 استبعاد تطبيق القانون الأجنبي

عندما تشير قاعدة الإسناد على القاضي المعروض عليه النزاع بتطبيق قانون محدد، فإن هذا القانون لا يطبق بصفة مطلقة، إذ من غير المقبول أن يطبق القاضي قانونا أجنبيا يخالف النظام العام في دولته (المبحث الأول)، أي يتعارض مع المثل العليا والمبادئ الأساسية والجوهرية السائدة في دولة القاضي.

وقد يتبين من جهة أخرى، للقاضي، من ظروف الدعوى وملابساتها أن الخصوم قد تعمدوا تغيير ضابط الإسناد حتى يتمكنوا من الإفلات من أحكام القانون المختص، ولقد أكد الفقه الحديث حق القضاء في التصدي لتحايل الخصوم بإعمال نظرية الغش نحو القانون (المبحث الثاني).
المبحث الأول :

 النظام العام

سبق أن أشرنا إلى أن توصل القاضي إلى معرفة الأحكام الموضوعية التي تحكم علاقة من علاقات القانون الدولي الخاص، لا يتم إلا بعد تطبيق قاعدة الإسناد التي تشير باختصاص قانون أجنبي معين
لكن القاضي قد يكون مجبرا على استبعاد هذا القانون عبر تعطيل قاعدة الإسناد، وذلك عند مخالفته للنظام العام في دولته، ويقوم بتطبيق قانونه الوطني بدل القانون الأجنبي المختصة، عندما لا يتفق هذا الأخير مع الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني في دولة القاضي، وبهذا تكون فكرة النظام العام بمثابة صمام الأمان الذي يحمي تلك الأسس.
فما هو مفهوم النظام العام في القانون الدولي الخاص (المطلب الأول) وما هي آثاره (المطلب الثاني).
المطلب الأول :

مفهوم النظام العام في القانون الدولي الخاص

يلعب النظام العام دورا هاما في مجال تنازع القوانين كأداة لاستبعاد القانون الأجنبي الذي اشارت قاعدة الإسناد باختصاصه، ولقد دخلت عبارة النظام العام إلى التشريعات الحديثة عن طريق القانون المدني الفرنسي الذي نص في مادته السادسة علىأنه " لا يجوز للمتعاقدين أن يتفقوا على مخالفة القوانين التي تتعلق بالنظام العام والآداب السليمة".
لكن المشرع الفرنسي، لم يقم بإعطاء تعريف للنظام العام، ولم يعين ماهية : القوانين التي تتعلق به، وقد تطور مفهومه، وأصبح المقصود منه " مجموعة القوانين التي  لا يجوز مخالفتها او ما يسمى بالقوانين الآمرة، وبهذا المعنى ينظر إلى قانون الأحوال الشخصية، على أنه من النظام العام، أي أنه لا يجوز للأطراف أن يغيروا أحكامه، ولا أن يتفقوا على عدم تطبيقه، والنظام العام بهذا المعنى يسمى بالنظام العام الداخلي.
وفكرة النظام العام بهذا المعنى هي فكرة مرنة ومتطورة، يكتنفها الغموض، وبالتالي يصعب تحديد مضمونها على وجه دقيق، لأنه متغير ويختلف باختلاف المكان والزمان.
مثلا حين كان القانون المدني الفرنسي يحرم الطلاق على الفرنسيين، لم تكن المحاكم الفرنسية تقيل الطلاق بالرغم من أن قاعدة الاسناد الفرنسية تقبل دعوى طلاق الأجانب الذين يجيز لهم قانونهم الوطني به من أن قاعدة الإسناد الفرنسية تشير بتطبيق قانونهم في هذا الخصوص، بول دعوى الطلاق في فرنسا، أمر كان يستكره المجتمع الفرنسي في من أجاز القانون الفرنسي الطلاق أصبحت المحاكم الفرنسية تقبل دعاوی طلاق الاجانب.
وقد نص قانون الالتزامات والعقود على هذا المفهوم للنظام العام، حيث ينص الفصل 62 منه في فقرته الثانية على أنه : " يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون."
أما المفهوم الثاني للنظام العام ، وهو الذي يهمنا في مجال تنازع القوانين، الذي يطلق عليه " النظام العام الدولي " او " النظام العام في القانون الدولي الخاص، ويقصد به الأسس الجوهرية للمجتمع سواء تعلقت بمسائل دينية أو سياسية أو اجتماعية او اقتصادية، التي كلما تعارض معها القانون الأجنبي الواجب التطبيق إلا وجب استبعاده.
وبناء على ذلك، يعرف البعض النظام العام في إطار القانون الدولي الخاص بأنه هو كل ما يرتبط بالسياسة التشريعية للدولة التي لا يمكن مخالفتها في إطار النزاعات ذات العنصر الأجنبي المرفوعة أمام القاضي الوطني، سواء كانت هذه السياسة التشريعية تتعلق بحماية المصالح الخاصة أو العامة للدولة، أو تتعلق بالإجراءات القانونية التي يلزم اتباعها عند البت في أي نزاع داخلي أو أجنبي.
هذا، وإذا كانت فكرة النظام العام تستخدم في مجال القانون الداخلي لضمان عدم الخروج الإرادي عن أحكام القواعد القانونية الآمرة، فإن الاستعانة بها في نطاق القانون الدولي الخاص بهدف استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أشارت قواعد الإسناد باختصاصها
وبذلك يظهر الطابع الاستثنائي لفكرة النظام العام في القانون الدولي الخاص، لكونها أداة لاستبعاد القانون الأجنبي وتطبيق القانون الوطني بصفة استثنائية، خروجا على الأصل العام الذي يقضي بوجوب تطبيق القانون الذي أشارت قاعدة الإسناد باختصاصه.
من هنا يتبين أن فكرة النظام العام تستخدم للحد من مبدأ سلطان الإرادة ، وبعبارة أخرى إن الإرادة حرة في الحدود التي يسمح بها المشرع، كما أن نطاق إعمال فكرة النظام العام يضيق في مجال تنازع القوانين عنه بالنسبة للقانون الداخلي.
المطلب الثاني :

آثار النظام العام في القانون الدولي الخاص

إن مخالفة القانون الأجنبي للنظام العام في دولة القاضي يترتب عنها إثران رئيسيان:
- أثر سلبي ناتج عن الاستبعاد الكلي أو الجزئي لأحكام القانون الأجنبي ( الفقرة الأولى).
- أثر إيجابي يتمثل في حلول قانون القاضي محل القانون الأجنبي المستبعد (الفقرة الثانية).
الفترة الأولى :

استبعاد القانون الأجنبي

عندما يصطدم تطبيق القانون الأجنبي بالنظام العام في دولة القاضي، فإن هذا التعارض يحدث أثرا هاما، يعبر عنه الفقه بالأثر السلبي، ويتمثل في استبعاد تطبيقه، لكن ثار التساؤل حول نطاق هذا الاستبعاد ، فهل يتعين استبعاد أحكام القانون الأجنبي كليا أم جزئيا، أي في الجانب المتعارض فقط مع النظام العام الوطني لقانون القاضي ؟
يری جانب من الفقه في فرنسا، أن الاستبعاد يجب أن يكون كليا، لأن استبعاد جزء من القانون الأجنبي وتطبيق أجزائه الأخرى التي لا تتعارض مع النظام العام الوطني، قد تؤدي إلى مسخ القانون الأجنبي، فضلا عن كونه يخالف قاعدة الإسناد في دولة القاضي التي تهدف إلى تطبيق القانون الأجنبي برمته.
لكن الفقه الراجح في فرنسا سار في اتجاه الطرح القاضي باستبعاد الجزء الذي يتعارض مع النظام العام، وتطبيق الجزء الذي لا يخالف النظام العام، فإذا تعلق النزاع مثلا بعقد بيع يتضمن شرط الدفع بالذهب، وكان القانون الأجنبي الذي يطبق على هذا العقد يجيز هذا الشرط، فإنه يتعين على القاضي استبعاد هذا الشرط وحده لمخالفته للنظام العام، وتظل الشروط الأخرى للعقد خاضعة للقانون الأجنبي مادامت لا تخالف النظام العام في المغرب.
الفترة الثانية :

حلول قانون القاضي محل القانون الأجنبي

عندما يقوم القاضي باستبعاد حكم القانون الأجنبي الذي يتعارض مع النظام العام، فإنه يتعين عليه سد الفراغ التشريعي الناجم عن هذا الاستبعاد، ويرى الفقه الفرنسي، Lagarde و Batiffol، وكذا القضاء الفرنسي، ضرورة تطبيق القانو الوطني في هذه الحالة باعتباره الأثر الإيجابي للنظام العام، ما دام لا يوجد في القانون الأجنبي الواجب التطبيق نص بديل للنص الذي تم استبعاده.
لكن هذا الحل قد يطرح إشكالا عندما يكون قانون القاضي غير ملائم لطبيعة العلاقة الدولية المخالفة للنظام العام، و لمعالجة هذا الوضع يقترح البعض أنه يتعين الطبيعي وإلا كان منكرا للعدالة.
على القاضي في هذه الحالة أن يفصل في النزاع في ضوء القواعد المستقرة في القانون ويرى البعض أن الأثر السلبي للدفع بالنظام العام لا يكفي لوحده، فإذا عرض مثلا نزاع أمام القضاء المغربي يتعلق بصحة زواج مسلمة بغير مسلم، فلا يكفي استبعاد حكم القاضي الأجنبي الذي يقر بصحة هذا الزواج، فلابد أن يقترن الأثر السلبي بأثر إيجابي، فالقاضي عندما يستبعد القانون الأجنبي، ويحكم بعدم صحة هذا الزواج فهو يطبق أحكام مدونة الأسرة المغربية التي لا تعترف بمثل هذا الزواج.
المبحث الثاني :

الغش نحو القانون في اطار تنازع القوانين

لقد سبق أن أشرنا إلى أن كل قاعدة إسناد تعتمد ضابطا معينا يشير على القانون الواجب التطبيق، ومن بين هذه الضوابط ما يكون قابلا للتغيير بإرادة الأفراد، وبعبارة اخرى قد يعمد أحد الأشخاص إلى تغيير ضابط الإسناد بهدف التوصل إلى تطبيق قانون معين و التهرب بذلك من أحكام القانون الواجب التطبيق، وبذلك فإن إرادته تدخلت بشكل متعمد لتغييرذلك الضابط بقصد الإفلات من اختصاص القانون الواجب التطبيق.
ويعتبر هذا النوع من التحايل أو الغش نحو القانون Fraude a la loi أمرا غير مشروع، فمثلا إذا كان قانون جنسية الزوج لا يسمح له بالطلاق أو التطليق، فإن الزوج في هذه الحالة قد يلجأ إلى تغيير جنسيته بجنسية دولة يجيز قانونها الطلاق.
وقد يعمد الشخص أيضا إلى تغيير موقع المنقول، وذلك للتهرب من الأحكام المتشددة لقانون الموقع الأول، والسعي وراء تطبيق قانون آخر أكثر تحقيقا لمصالحه، وقد يكون القانون الذي أراد الشخص التهرب من أحكامه هو قانون القاضي، وقد يكون قانونا أجنبيا.
وعليه، فما هو مفهوم الغش نحو القانون (المطلب الأول) وما هي شروط تحققه ( المطلب الثاني) وما هي آثاره (المطلب الثالث).
المطلب الأول :

مفهوم الغش نحو القانون

لقد تبين من خلال الأمثلة السابقة أن التغيير الذي يقوم به الأفراد في ضابط الاسناد لم يكن مقصودا لذاته، وإنما قصد به في الأساس، الإفلات من تطبيق قانون معين، فالتغيير يرمي إلى التحايل على أحكام قانون معين وهو ما درج الفقه على تسميته تسميته بالغش نحو القانون.
ولم تتبلور فكرة التحايل على القانون الواجب التطبيق كفكرة قائمة بذاتها، في إطار القانون الدولي الخاص، إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بمناسبة قضية دوبوفرمون De Baufremont التي تتلخص وقائعها في ان سيدة بلجيكية الأصل تزوجت من الأمير الفرنسي De Bauffremont واكتسبت الجنسية الفرنسية بناء على ذلك، ولما اختلفت مع زوجها، أرادت الطلاق منه، لكن أحكام القانون الفرنسي الجاري به العمل آنذاك حالت دون تحقيق رغبتها، لأن هذا القانون كان يمنع الطلاق.
وأمام هذا الوضع لجأت هذه الأميرة إلى التجنس بجنسية إحدى الولايات الألمانية تسمى : Duche de saxe Altenburg التي يسمح قانونها بالطلاق، واستطاعت بذلك أن تحصل على الطلاق من زوجها الأمير الفرنسي، وتزوجت بأمير روماني يدعى "  Bibesco" بتاريخ 24 أكتوبر 1875.
ولم يقبل الزوج الأول بهذا الوضع وقام برفع دعوى أمام محكمة لاسين La Seine مطالبا فيها ببطلان التجنيس الذي حصلت عليه زوجته بدون إذن، من جهة، وكذا بطلان الزواج الثاني الذي يحظره القانون الفرنسي، معتبرا تجنس زوجته بمثابة تحايل منها على القانون، من جهة ثانية.
وقد قضت المحكمة بتاريخ 10 مارس 1876 ببطلان الزواج الجديد مستجيبة بذلك لطلب الزوج الأول، وهو الحكم الذي أكدته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 18 مارس 1878 مستندة في قضائها إلى فكرة التحايل أي الغش نحو القانون والسعي إلى تغيير العلاقة القانونية من أجل الإفلات من تطبيق القانون المختص، حيث انتهى القرار إلى التصريح بعدم نفاذ الطلاق، وكذا عدم نفاذ الزواج الثاني مع بقاء الزواج الأول قائما ومشروعا.
من هنا تظهر أهمية الدفع بالغش نحو القانون، وذلك لحماية قاعدة الإسناد والاعتبارات التي تقوم عليها. ولقد اعتمدت بعض التشريعات الوضعية الحديثة هذا الدفع، وخاصة التشريع الإسباني الذي ينص في الفقرة الرابعة من المادة 12 من المجموعة المدنية لسنة 1974 على أنه : يعتبر تحايلا على القانون استعمال إحدى قواعد الإسناد بغية التخلص من تطبيق قانون إسباني آمرا.
وتأسيسا على ما سبق حاول الفقه تعريف الغش نحو القانون بأنه : " هو لجوء أحد أطراف النزاع المعروض على القاضي إلى تغيير معيار قاعدة الإسناد بطرق مشروعة ، وذلك بهدف نقل اختصاص القانون الواجب التطبيق الذي تشير قاعدة الإسناد الوطنية إلى قانون آخر بسوء نية للتهرب من الخضوع إلى أحكامه او الوصول إلى نتائج غير مشروعة.
ويظهر من هذا التعريف أن الغش أو التحايل هو وسيلة للحيلولة دون تطبيق القانون الذي تشير عليه قاعدة الإسناد الوطنية، لكن الإشكال الذي واجه الفقه تمثل في معرفة ما إذا كان التحايل ينحصر في نطاق قانون القاضي أم يمتد إلى القانون الأجنبي؟
هناك اتجاه يحصر نطاق التحايل على قانون دولة القاضي وحده، ويمثله جانب من الفقه والقضاء الفرنسي، معتبرا أن الدفع بالغش نحو القانون يستهدف حماية النظام القانوني الوطني وليس لحماية النظم القانونية الأجنبية  .
أما فيما يتعلق بالاتجاه الثاني، فهو يرى أن الدفع بالغش نخو القانون يشمل قانون دولة القاضي، والقانون الأجنبي الواجب التطبيق، على السواء، بناء على فكرة شمولية قاعدة الإسناد لمفهوم القانون الذي تشير به على القاضي المعروض عليه النزاع، سواء كان هذا القانون هو قانون دولة القاضي أو أي قانون أجنبي آخر، وإنما يهدف إلى حماية الأمر التشريعي الذي صدرت بمقتضاه.
المطلب الثاني :

شروط تحقق الغش نحو القانون

يجمع فقه القانون الدولي الخاص على وجوب توفر شرطين أساسيين لامكان الدفع بالغش نحو القانون وهما : إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد باعتباره الركن المادي في عملية الغش، من جهة، وتوافر نية الغش نحو القانون، التي تمثل العنصر المعنوي من جهة ثانية.
الفترة الأولى :

إجراء تغيير ارادي بضابط الإسناد

اجراء تغيير ارادي بضابط الاسناد يتحقق هذا الشرط حينما يقوم أطراف العلاقة بتغيير ضابط الإسناد الذي يتحدد بواسطته القانون الواجب التطبيق، وهنا تلعب إرادة الأطراف دورا أساسيا في تغيير أحد المكونات الأساسية لقاعدة الإسناد المتمثلة في معيار أو ضابط الإسناد، وبشرط أن يكون هذا الأخير قابلا للتغيير بإرادة الأطراف، كما في مثال تغيير الجنسية، وتغييرالموطن، والدين، أما إذا كان غير ممكن، كما هو الحال في المسؤولية المدنية الناجمة عن حدوث فعل ضار أو في حالة التصرف في عقار، ونحن نعلم أن هذا الأخير لا يمكن تغيير موقعه، فإن الغش نحو القانون لا يمكن قيامه.
كما يشترط من جهة أخرى، أن يكون التغيير مشروعا، وبمعنى آخر، إذا كانت الوسيلة المستخدمة في التغيير غير مشروعة، كأن يتم تغيير الجنسية عن طريق الغش في الشروط المتطلبة لاكتسابها ، فإنه لا يجوز الاعتداد في هذه الحالة بالجنسية المكتسبة عن طريق الغش، إذ يكفي إثبات عدم مشروعية الوسيلة المستخدمة في ذاتها.
لكن الإشكال يطرح في الحالة التي تكون الوسيلة المستعملة مشروعة والتي يهدف من ورائها الشخص الوصول إلى نتيجة غير مشروعة، لتأكد أهمية بحث نية التحايل او الغش نحو القانون.
الفترة الثانية :

نية التحايل أو الغش نحو القانون

سبق أن أشرنا إلى أنه لا يكفي أن يكون تغيير ضابط الإسناد فعليا ومشروعا، بل الشخص من وراء هذا التغيير الإفلات من أحكام القانون الواجب التطبيق، وبعبارة أخرى، أن تكون لدى الأطراف سوء نية التهرب من أحكام هذا وذلك للحصول على نتائج محددة وغير مشروعة ، وهذا هو العنصر المعنوي
في الغش، أي نية التحايل أو الغش نحو القانون.
وترتب على الغش نحو القانون، عادة، إضرار بمصالح المشروعة، وهذا ما تبين لنا من خلال مثال تجنس الأميرة " De Bauffremont " بالجنسية الألمانية، وكانت النتيجة أن الحقت ضررا بالمصلحة المشروعة لزوجها الأول، حيث تمكنت من الحصول على الطلاق وزواجها من أمير آخر من أصل رومانية .
وتدخل مسألة استخلاص نية الغش من خلال وقائع الدعوى، ضمن السلطة التقديرية للقاضي ولا تخضع لرقابة محكمة النقض.
ويرى جانب من الفقه أنه ليست ثمة فائدة في اشتراط قصد الإضرار بالغير، حتى تكتمل شروط الغش نحو القانون، مادام الدفع بالغش يهدف أصلا إلى حماية الحكم الآمر الذي تتضمنه قاعدة الإسناد حينما تشير باختصاص قانون معين، لكي يطبق على القضية المعروضة أمام القاضي، بحيث يكفى توافر نية الإفلات من هذا الحكم الآمر حتى يتحقق للغش آثاره.
المطلب الثالث :

آثار الدفع بالغش نحو القانون

في حالة ما إذا تمكن القاضي من الكشف عن التحايل على القانون من خلال النزاع المعروض عليه، وتأكد من قيام شروطه، فإنه يتعين عليه استبعاد القانون الذي أصبح مختصا بمقتضى هذا التحايل (الفقرة الأولى)، وتطبيق القانون الذي كان مختصا بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية (الفقرة الثانية).
الفترة الأولى :

استبعاد القانون الذي أصبح مختصا بفعل التحايل

يرى غالبية الفقه أن الجزاء المترتب على الغش نحو القانون هو استبعاد القانون الذي أصبح مختصا بمقتضى التحايل على القانون الواجب التطبيق، فهل يكون الاستبعاد مطلقا، سواء بالنسبة للوسيلة التي تم بناء التحايل عليها، أو بالنسبة لنتيجة هذا التحايل ؟ .
فبعض الفقه يرى أن الاستبعاد يجب أن يكون مطلقا، لأن أثر الغش لا يتناول عدم نفاذ النتيجة التي يستهدفها الشخص من وراء تغيير ضابط الإسناد، بل يشمل أيضا الوسيلة التي لجأ إليها الشخص، بينما جانب آخر من الفقه، فيرى استبعاد النتيجة دون الوسيلة أي استبعاد القانون الذي أصبح مختصا، باعتباره نتيجة للتحايل على القانون الواجب التطبيق، وذلك من غير وقف الأثر المترتب عن التغيير في معيار الإسناد، والذي لجأ إليه الأطراف بطرق مشروعة، وبالرجوع إلى قضية " دوبو فرمون "، تبين لنا أن القضاء أبطل زواج هذه الأميرة من زوجها الثاني، دون إبطال جنسيتها الألمانية التي اعتمدت عليها للتطليق من زوجها الأول وزواجها من الأمير الروماني.
ويظهر مما سبق، أن الأثر المترتب عن الغش يتحدد في استبعاد تطبيق القانون الذي ثبت له الاختصاص وفقا للضابط المفتعل، فضلا عن إعادة الاختصاص إلى القانون الذي أراد الشخص التهرب من أحكامه.

الفترة الثانية :

تطبيق القانون الذي كان مختصا بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية

عندما يتم استبعاد القانون الذي أصبح مختصا بمقتضى التحايل الذي وقع على القانون الواجب التطبيق، فإن الاختصاص يجب ان يرجع إلى هذا القانون الأخير الذي يحل محل القانون الذي حاول المتحايل أن يتوصل إلى تطبيقه حينما قام بتغيير ضابط الإسناد لنزع الاختصاص عن القانون الذي وقع عليه التحايل
ففي قضية الأميرة " De Bauffremont "، المذكورة، فإن أثر الغش تمثل أولا في استبعاد القضاء الفرنسي لأحكام القانون الألماني الذي يبيح الطلاق، وثانيا، تطبيق القانون الفرنسي الذي كان مختصا بحكم النزاع، والذي أرادت الأميرة أن تتهرب من أحكامه، وبذلك يشكل الغش نحو القانون تعطيلا لتطبيق ما تشير عليه قاعدة الإسناد، الأمر الذي يحتم إعادة الاختصاص إلى القانون الذي أراد المتحايل التهرب من تطبيقه، سواء كان قانونا وطنيا أو أجنبيا.

Mr. RichQ-LaM
Mr. RichQ-LaM
تعليقات